
الحلقة 4 من حكايات “الأولمبياد”.. تخلت عني اللجنة الأولمبية المغربية في موقف صعب لكن جزائري قام بالواجب
في الحلقات الثلاث الماضية أخبرتكم كيف كانت العناية الإلهية ترافقني أينما حللت وارتحلت، والمآزق التي وقعت فيها في فرنسا وكانت نهايتها سعيدة في كل مرة بفضل الله عز وجل و”دعاء الوالدين”، حكاية اليوم لا تختلف عن سابقاتها من حيث اليسر بعد العسر، لكنها تعكس الروح الأخوية بين الجزائريين الذين نشؤوا بعيدا عن نظام “الكابرانات” وإعلامه، وبين المغاربة، ذلك الإعلام الذي ينجح في كل مرة في إشعال الفتنة بين الشعبين، والذي للأسف ظهرت نسخة كربونية منه عندنا في المغرب في السنوات الأخيرة..
الحلقة 4: تخلت عني اللجنة الأولمبية المغربية في موقف صعب لكن جزائري قام بالواجب
خاض المنتخب الوطني الأولمبي لكرة القدم، مبارياته سواء في المجموعات أو في أدوار خروج المغلوب في مدن مختلفة، بداية من سانت إتيان مرورا بنيس وباريس ومارسيليا ووصولا إلى نانت، وفي كل مرة أرافق فيها “الأشبال” إلى أي مدينة، أقوم قبلها بحجز تذاكر “TGV” ذهابا وإيابا قبلها بأيام، لكي أتفادى نفاذ التذاكر في الأوقات التي اخترتها من جهة، ولكي أتجنب ارتفاع ثمنها من جهة أخرى مع كثرة الطلب، خاصة وأن الجمهور المغربي لم يخلف الموعد وكان يحج إلى المدن التي يلعب فيها المنتخب الوطني بالآلاف، لذلك زاد الطلب على وسائل التنقل.
دعوني في البداية أطلعكم على أمر، وهو أني لم أحب المدن الفرنسية ولم أجدها مبهرة، ولكن لكل قاعدة استثناء، والاستثناء بالنسبة لي هو مدينة نيس “عروس كوت دازور”، أو مدينة الأغنياء كما يلقبها الكثير، بالرغم من ارتفاع درجة حرارتها التي لا تقل عن 33 درجة مئوية، وبالرغم من كرهي الشديد للطقس الحار، إلا أني أحببتها جدا، رائعة وهادئة ونظيفة، وبحرها لونه فيروزي جميل، لا أخفيكم سرا أني وقعت في حبها وإن أطال الله في عمري سأعود إليها، كما أنها شهدت فوز المنتخب الوطني وتحقيق إنجاز التأهل من دور المجموعات لأول مرة في التاريخ.
حققنا الهدف وهو الظفر ببطاقة التأهل للدور الموالي، وحان وقت الرحيل، وصلت إلى محطة نيس يوم الأربعاء 31 يوليوز 2024، في الساعة الـ12 ظهرا، ورحلتي كانت مقررة في الساعة 14:08، لكن عندما وصلت إلى المحطة كانت الفوضى تعم المكان، لأكتشف أن إعصارا صغيرا ضرب بورغوندي فرانش كومتيه، وتسبب في شل حركة “TGV” بسبب تعطيل منشآت الطاقة الكهربائية، وكان نوع من التكتم أو العنصرية، لأن عمال شركة السكك الحديدية الفرنسية لم يخبرونا شيئا عن استئناف حركة المرور عند الساعة الخامسة عصرا، بل أخبرونا أنه لا توجد رحلات في ذلك اليوم بسبب المشكل المذكور، ولا في اليوم الموالي، وعلينا الانتظار ليوم الجمعة لحجز تذاكر جديدة، وأن الحل أمامنا هو تغيير تاريخ الرحلة إلى يوم الجمعة، أو استعادة ثمن التذكرة.
تابعت الرحلات تمحى من السبورة الإلكترونية، الواحدة تلوى الأخرى، عندها قررت أن أقف في الصف الطويل لكي أستعيد ثمن التذكرة، ودخلت تطبيق الفنادق لأبحث عن فندق أبيت فيه تلك الليلة، وفي البحث كتبت بشكل واضح نيس، واخترت التاريخ والفندق وقمت بالدفع الآني ما يزيد عن 1000 درهم دون استرداد في حالة الإلغاء، لأفاجأ بعدها أني حجزت غرفة فندق في مدينة نيم وليس نيس، والغريب أني لم أنتبه متى تم تغيير المدينة في التطبيق، ربما لشدة توتري في تلك اللحظة، عندها عدلت عن فكرة المكوث في نيس، وبدأت أبحث عن وسائل نقل أخرى، لكن يبدو أن الجميع يتحين الفرصة، وما إن سمعوا أن هناك عطل في الخط العالي السرعة، قاموا برفع السعر بشكل صاروخي في جميع تطبيقات وسائل النقل، سواء الحافلات أو السيارات أو الطائرات، أتابع الأسعار وأنا في حيرة من أمري، والمشكلة أني حتى لو قررت البقاء في نيس إلى يوم الجمعة -لم أكن لأمانع الأمر بالتأكيد لأني كما ذكرت سابقا أحببت المدينة- كان سيتعذر علي الوصول في الوقت للملعب، لمتابعة مباراة المنتخب الوطني ونظيره الأمريكي.
وأنا أنتظر دوري في الصف الطويل، قمت بالاتصال بالمسؤول الإعلامي في اللجنة الأولمبية، لأطلعه على المأزق الذي أنا واقعة فيه لكي يساعدوني في إيجاد حل، خاصة وأني لم أستفد من الامتيازات التي استفادت منها البعثة، وهي تذاكر الطائرة والإقامة في فندق مصنف، بالإضافة إلى مصروف الجيب وقيمته 20 ألف درهما، وتواصلت معهم وأنا في موقف صعب، فأنا صحفية مغربية وحيدة “مقطع بيا الحبل” كما يقال في العامية المغربية، لكن المفاجأة كانت أنهم لا يستطيعون مساعدتي، تخيلوا لجنة أولمبية صرفت الملايين على بعثة صحفية، عجزت عن إيجاد حل لصحفية مغربية.. إنه العار يا سادة..!!!!!
وصلت أخيرا لمكتب السكك الحديدية، وباشرت بالفعل في إجراء استعادة ثمن تذكرتي، لكن وبسبب أن الدفع كان بالبطاقة وليس نقدا، أخبروني أن المال سيعاد للحساب البنكي بشكل مباشر، عندها اخترت التريث قليلا وأوقفت الإجراءات، خاصة وأني انتبهت إلى أن رحلة الساعة الخامسة عصرا لم تمحى، وعندما سألتهم مجددا أخبروني أن استئناف الرحلات ليس أكيدا.. كان العمال يحاولون باستماتة أن يعيدوا ثمن التذاكر لأكبر عدد من المسافرين.
وأنا جالسة في قاعة الانتظار داخل مكتب السكك الحديدية الفرنسية، جاء عندي عامل يسألني باللغة العربية إلى أين تتجهين، نعم إنه الجزائري، فأخبرته أنهم طلبوا مني تغيير تاريخ التذكرة ليوم الجمعة أو أن أستعيد ثمنها، فقال لي لا تقومي بتغييرها ولا تستردي ثمنها، قطار الساعة الخامسة سينطلق في موعده إذهبي إلى البوابة الخاصة به وأدخلي بتذكرتك، كان بمثابة “درهم لحلال”، من جديد القدرة الإلهية أنقذتني من مأزق آخر، ومن مصاريف إضافية كانت ستكلفني كثيرا، خاصة وأنه بالفعل خسرت أزيد من ألف درهم في رمشة عين.
في النهاية وكما ذكرت في أول حلقة من حكايات “الأولمبياد”، وضع الله في طريقي أناس ساعدوني في أوقات الشدة، أكيد لن يصلهم ما كتبته عنهم، لكن لطافتهم معي أجبرتني على أن أشكرهم علانية، أمام المئات أو الآلاف ممن يتابعوني.. شكرا لأخي الجزائري.