
الحلقة 1 من حكايات “الأولمبياد”.. ورطة كبيرة في سانت إتيان والسر وراء الرقم 8124 الذي لن أنساه ما حييت
لطالما طمحت لتغطية فعاليات الألعاب الأولمبية، منذ أن امتهنت الصحافة، ولطالما كان حلما بعيد المنال بالنسبة لي، وليس للأمر علاقة بإمكانياتي أو كفاءتي المهنية كصحفية، ولكن للأمر علاقة مباشرة بمن يتحكم في اختيار أفراد الوفد الرسمي المرافق للبعثة المغربية، هي مثل “الوزيعة” لطالما تحكم بها الجمعيات، ولن أتطرق لتفاصيل أكثر لأني سبق وتحدثت عن الأمر في مقال سابق، لكن اليوم سأتحدث عن تحقيق هذا الحلم أخيرا بعد سنوات من الانتظار، وكل الفضل للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، الذي لولاه لما عشت هذه التجربة الفريدة من نوعها، بالرغم من أن حدود التغطية كانت تقتصر على المستديرة فقط، إلا أني استطعت حضور سباق البطل العالمي والأولمبي سفيان البقالي، وأستطيع القول أني قمت بتغطية جيدة وناجحة في حدود الإمكانيات المتاحة، تفوقت فيها على غيري.
في هذه الحلقات لن أتحدث عن السلبيات، سأتطرق للإيجابيات فقط، سأشكر أشخاص لن يصل إليهم هذا المقال لأنهم يتحدثون لغات أخرى غير العربية، كما أن التواصل معهم انقطع مباشرة، لكن ذكراهم ستظل في قلبي إلى الأبد، بسبب لطفهم وأخلاقهم النبيلة، ولذلك تكريما لهم سأحكي لكم عن مواقفهم معي، وكيف سخرهم الله لي في لحظات كنت في أمس الحاجة إليهم.
الحلقة 1: ورطة في سانت إتيان
في سانت إتيان، تلك المدينة الصغيرة الهادئة والجميلة، والتي دارت على أرضية ملعبها مواجهتي المنتخب الوطني لحساب الجولتين الأولى والثانية، أمام كل من الأرجنتين وأوكرانيا، كانت الأمور تمر على خير ما يرام، فزنا في المباراة الأولى وكان كل شيء جيد، في اليوم التالي عندما عدت لإنجاز روبورطاج حول ملعب “جوفروا غيشار” وقع ما لم يكن في الحسبان، لأن عند عودتي لفندق الإقامة، اكتشفت أني أضعت الورقة التي كانت في مفتاح غرفتي، والتي كانت تحمل الرقم السري الذي يفتح البوابة الرئيسية، وبدونها لا يمكنني أن ألج للفندق، لأنه وللأسف بعد الساعة الثامنة يقفل الاستقبال ويغادر الجميع، حاولت جاهدة الاتصال برقم الطوارئ ولكن لا مجيب، ماذا سأفعل؟ بطارية هاتفي 20 في المائة وكل أغراضي في الفندق، والمشكلة الكبرى أني قمت بحجز مسبق لتذكرة سفر عبر القطار الفائق السرعة من سانت إتيان إلى باريس، لحضور حفل الافتتاح في اليوم الموالي في الساعة السادسة صباحا، قيمتها 145 أورو، فجأة وجدت نفسي في ورطة حقيقية، وكل الإشارات توحي بأن ليس هناك حل لمشكلتي.
وأنا أتخبط هنا وهناك، فجأة ظهرت أمامي امرأة فرنسية شابة وزوجها، كانا يتناولان العشاء في المطعم المجاور للفندق، فهرعت إليهما استنجد بهما، وأسعدتني لطافتها هي وزوجها، لأني شعرت آنذاك أنهما لن يتخليا عني، المرأة التي كان يبدو عليها أنها في الأشهر الأخيرة من الحمل، حاولت الاتصال برقم الطوارئ برقمها الفرنسي، لأنها اعتقدت أنهم ربما لم يجيبوا على اتصالي، لأنه كان واردا من رقم مغربي، لكن دون جدوى، حاولت أن تسأل الفندق المجاور إن كان يعرف الرقم السري، وباءت المحاولة بالفشل، فلم تجد حلا سوى الاتصال بالشرطة، وهم أيضا قالوا لها لا يمكنهم التدخل، وأن علي الانتظار إلى أن يظهر نزيل آخر في الفندق، وعندها يفتح الباب لي، في خضم كل هذا المرأة اللطيفة كانت تحاول أن تطمئنني، تقول لي بين الفينة والأخرى أنها لن تتركني حتى تجد حلا للمشكلة.
لحسن الحظ، ألهمني الله في تلك اللحظة أن أخبرها بأن الرقم السري مكون من 4 أرقام وأذكر فقط رقم 81، فسألتني إذا كان هناك حرف يسبق تلك الأرقام، فأجبت بلا، عندها قالت لي إذن سنقوم بالطريقة القديمة، وبدأت تدخل الأرقام بسرعة كبيرة في اللوحة الإلكترونية بجانب الباب، دهشت من خفة أناملها في تلك اللحظة وهي تدون الأرقام، وبدأت 8100، 8110، 8111، 8112، 8113 وهكذا، إلى أن وصلت لرقم 8124، فسمعنا نغمة وفتح الباب، فقفزت كلتانا من الفرحة وتبادلنا الأحضان، لأننا نجحنا في مهمة فك الشيفرة، الشيفرة التي لو لم نعثر عليها كانت ستكلفني ليلة أخرى في فندق آخر وحجز جديد لـ”تي جي في”، والمشكلة أنه كان واردا جدا أن لا أجد حجزا لباريس لأن السفر كان في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية.
من فرحتي الشديدة، في تلك اللحظة قمت بترجمة فورية في مخي لكل دعوات الأمهات للنساء الحوامل للفرنسية، وأخبرتها بهم وكانت السعادة تبدو عليها لفرحتي، لسوء الحظ نسيت أن أسأل تلك السيدة الرائعة عن اسمها، لكن تمكنت من أخذ صورة معها للذكرى، صورة سأتذكرها دائما لسيدة نبيلة جدا، لن أنسى كلماتها وهي تطمئنني وتقول لي لن نرحل، اهدئي، تخيلت نفسي مكانك وحيدة في بلد آخر غريب، وفي وقت متأخر من الليل وحدي، لذلك اطمئني سنجد الحل، وكذلك الأمر بالنسبة لزوجها أيضا، كلمات نابعة من قلبيهما وكان مفعولها كالسحر في قلبي.
إلى تلك السيدة الفرنسية الرائعة التي نسيت أن أسألها عن اسمها، وإلى زوجها، شكرا لكما وأتمنى لكما السعادة الدائمة، وأتضرع إلى الله أن تكون مساعدتهما لي في تلك اللحظة وأنا قليلة الحيلة، كنز كبير يجداه في ميزان حسناتهما يوم البعث.