
الحلقة 6 من حكايات “الأولمبياد”.. ورود باريس بلا رائحة وحدائقها تغزوها الفئران وحافلات “نقل المدينة” التي تخلص منها المغرب ما تزال تجوب شوارعها
تغزل العديد من الكتاب العالميين بجمال باريس، مثل الكاتب الفرنسي جان بول سارتر في رواية “البرج العاجي”، والأمريكي إرنست همنغواي في رواية “باريس”، والفرنسي إميل زولا في “باريس هي باريس”، والكثير من الكتاب الذين ألهمتهم هذه المدينة، وهاموا في عشقها، والكل تفنن في وصف شوارعها وحدائقها وساحاتها، حتى أصبحت رمزا للرومنسية في العالم، والقبلة المفضلة لكل المتوزجين حديثا من الأثرياء ليقضوا فيها شهر العسل، وحلما بعيد المنال لأولئك الذين يعجبون بصورها ولكن لا يستطيعون زيارتها، لكن ما استوقفني كثيرا هو ما كتبته الكاتبة الأيرلندية الشهيرة سيسيليا أهيرن في رواية “نادي باريس”، إذ قالت: “في باريس، الهواء مشبع بعطر الأزهار الذي ينساب من الحدائق الصغيرة، وكأنه دعوة للاسترخاء والانغماس في أحلام المدينة”، لأن هذه الفقرة القصيرة كفيلة بأن تجعلك تتخيل سحر العاصمة الفرنسية وترغب بشدة في زيارتها، لاستنشاق ذلك الهواء المعطر بروائح الأزهار والاستمتاع به، وهذا ما حدث معي بالضبط، وقد يحدث مع أي أحد ينغمس في قراءة الروايات ويهيم بخياله مع أماكنها وأحداثها.
زهور باريس بلا رائحة
الحقيقة يا سادة، هي أن أزهار باريس بدون رائحة ولا أبالغ في ذلك، وهذه كانت أول صدمة لي في فرنسا، عندما ذهبت إلى هناك لتغطية مباريات كرة القدم ضمن فعاليات الألعاب الأولمبية 2024، عندما وصلت إلى مكان إقامتي في العاصمة الفرنسية، أعجبني كثيرا منظر الورود المحيطة بالمكان، لكن لا رائحة لعبيرها في الجو، لذلك كانت الخطوة الثانية بعد أخذ الصور التذكارية بجانبها، هي شم رائحتها، لكن الغريب في الأمر هو أنها لا عطر فيها، فلمستها لأتبين إن كانت حقيقية أم بلاستيكية، لكنها فعلا ورود حقيقية، والأمر ينطبق على أماكن أخرى زرتها، خاصة تلك التي توجد بالقرب من برج ”إيفل”.
بعد هذه الصدمة كان أول شيء استحضره هو رائحة الأزهار في بلدي، وخاصة عبق وسحر زهرة مسك الليل وزهرة الياسمين، بجانب منزلي في الدار البيضاء، حيث أستمتع برائحتها الرائعة في كل مرة أقف فيها في شرفة غرفتي.
حدائق باريس والفئران
أينما تولي وجهك في باريس كن متأكدا أنك ستصادف فأرا صغيرا أو جرذا كبيرا، في الحدائق وفي الميترو وفي كل مكان (فيديو أسفل المقال)، صادفت العديد منهم وهم يتجولون بحثا عن الطعام بكل أريحية، لكن الملفت في الموضوع هو عدم التزام المواطنين بتوصيات السلطات الفرنسية، فخلال تواجدي هناك شاهدت العديد من الروبورطاجات الإخبارية في القنوات الفرنسية حول الموضوع، وأتذكر جيدا مسؤولا عبر عن غضبه من سلوك المواطنين في تصريح أدلى به، قال فيه: “لا يعقل مع وجود هذا العدد الكبير من حاويات القمامة في كل أنحاء باريس، ومع ذلك الأشخاص يتركون مخلفات الطعام في الحدائق، إنها تجذب الفئران”، وكلامه على حق، لأني في كل مرة أصادف فيها فأرا يكون بجانب مخلفات الطعام في الحدائق.
من المزعج حقا وجود هذا العدد الكبير من الفئران والجرذان في كل مكان في باريس، نحن لا نتكلم عن مدينة من دول العالم الثالث، وإنما عن واحدة من أهم العواصم في العالم، وتجذب ملايين السياح سنويا من كل أنحاء الكرة الأرضية.
حافلات ”نقل المدينة” في باريس
الجميع يتذكر حافلات ”نقل المدينة”، تلك التي كانت باللونين الأخضر والأبيض وحجمها صغير، والتي تم إحضارها للمغرب من فرنسا بعد الصفقة الشهيرة التي عرفت جدلا كبيرا، لتجوب شوارع الدار البيضاء، دعوني أخبركم أنها ما تزال تجوب شوارع باريس، واستقللت إحداها خلال تنقلاتي، لكن بعد هذه التجربة أستطيع أن أجزم لكم أن حافلات ”ألزا” في الدار البيضاء أجمل بكثير ومريحة أكثر، لذلك علينا أن نحافظ عليها وعلى نظافتها لأنها ملكنا جميعا، ولا يجب تخريبها.
بصراحة مطلقة لم تعجبني باريس إطلاقا، ووجدتها عكس ما تصورته عنها، وسحرها الأخاذ الذي قرأت عنه في الروايات، ظل حبيس تلك الصفحات، ربما لو لم أبالغ في رسم تلك اللوحات الرائعة عن تلك المدينة في مخيلتي، لوجدتها جميلة.. من يدري؟! لكن ألوم في هذا هؤلاء الكتاب الذين بالغوا في التغزل بها.. على الأقل من وجهة نظري، وقد يختلف معي عشاقها الذين تعرفوا عليها عندما زاروها، وليس من صفحات الروايات .. وهذا حقهم.